◄كلّ عام وأنتم بخير وفي طاعة لله وسعادة واستقرار.. في هذه الأيام نستقبل عيد الأضحى المبارك حيث تعم الفرحة والبهجة كلّ أرجاء الوطن الإسلامي الكبير. فما الذي يجب أن نفعله في هذا اليوم الأغر؟ وكيف نتقرب إلى خالقنا بالطاعات وأعمال البر ومشاعر المودة والرحمة وقيم التكافل الاجتماعي مع الأهل والأقارب والأصدقاء والفقراء وكلّ صاحب حاجة؟
وما أجر وثواب الأضحية والمواصفات الشرعية لها والوقت المحدد لذبحها وكيفية توزيعها وموقف الشرع من الذين حولوها من عبادة لها أهداف دينية واجتماعية وإنسانية إلى مجرد عادة لا تحقق أي هدف في حياة المسلم؟
كيف يستقبل المسلم عيد الأضحى المبارك ويفرح ويدخل السعادة على أسرته دون ارتكاب تجاوزات أو سلوكيات مرفوضة تجلب للإنسان غضب الله وعقابه؟
طُرحت كل هذه التساؤلات الشرعية المتعلقة بالأضحية وعيد الأضحى المبارك على عدد من علماء الأزهر ليحددوا الخطوط الفاصلة بين المطلوب من المسلم والمحظور.. فماذا قال العلماء والفقهاء؟
- بداية الفرحة:
في البداية يوضح الشيخ فرحات المنجي، من كبار علماء الأزهر، مكانة صلاة العيد ورسالتها الروحية ودورها في إدخال البهجة في نفوس الصغار والكبار، فيقول: صلاة العيد سنة ينبغي أن يحرص عليها كلّ مسلم، وأن يبدأ بها برنامجه في هذا اليوم المبارك، وأن يذهب إليها وهو في كامل نشاطه وحيويته، وأن يستعد لها بأن يغتسل ويلبس أجود ملابسه، ويضع على جسده شيئاً من الروائح الزكية.. فالمطلوب من المسلم رجلاً كان أو امرأة أن يستقبل يوم العيد وصلاة العيد بأحسن ما يكون الاستقبال من عبادة وشكر لله تعالى ومن هيئة جميلة.
وصلاة العيد لها أهداف اجتماعية وإنسانية بالإضافة إلى أهدافها الدينية، فهي فرصة لتلاقي المسلمين في مستهل هذا اليوم، وقد كان الرسول (ص) وصحابته ينتهزون هذه الفرصة لتقوية صلاتهم الاجتماعية والإنسانية بعضهم ببعض، وكانوا يهنئون بعضهم بعضاً ويقضون بعض الوقت الطيب داخل المسجد أو خارجه يتبادلون التهاني والنصائح والأحاديث الودية ويعودون إلى منازلهم وهم أكثر بهجة ونشاطاً.
وهنا يحذر الشيخ المنجي الشباب من السهر ليلة العيد والنوم متأخراً وعدم التيقظ لأداء هذه الصلاة المباركة ويقول: أنصح أبنائي وإخواني المسلمين في كلّ مكان بعدم التكاسل عن صلاة العيد حتى لا تضيع منهم بهجة هذا اليوم المبارك ويحرمون أنفسهم من أداء عبادة لها أهداف كثيرة ومنافع عديدة.
- الأضحية.. كلها فوائد:
وبعد أداء صلاة العيد ننتقل إلى الشعيرة الثانية التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم في هذا اليوم المبارك وهي (الأضحية) إذ يحث أستاذ الشريعة الإسلامية، عضو مجمع البحوث بالأزهر، الدكتور محمد الشحات الجندي، كلّ المسلمين القادرين بالحرص على الأضحية يوم التضحية والفداء، ويؤكد أنّ الأضحية سنة مؤكدة، ويكره تركها بالنسبة للقادر عليها، والقادر على الأضحية هو الذي يملك ثمنها فوق حاجاته الضرورية، فكل من يستطيع شراء أضحية دون حرج أو استدانة مطلوب منه أن يضحي، اقتداء برسول الله (ص) الذي ضحى بكبشين أملحين أقرنين.. أي خروفين يخالط بياضهما السواد ولهما قرون.
ويذكرنا د. الجندي بالمقاصد والأهداف الدينية والاجتماعية والإنسانية للأضحية فيقول: شرعت الأضحية في السنة الثانية من الهجرة مع العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحى)، والهدف منها شكر الله تعالى على نعمه، والتوسعة على الفقراء والمحتاجين.. فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) (سورة الكوثر). والرسول (ص) يقول في الحديث الصحيح: «إنّ أوّل ما نبدأ به في يومنا هذا – أي في يوم عيد الأضحى – نصلي ثمّ نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من الشك في شيء».. ومعنى هذا الحديث الشريف أنّ الأضحية لا تذبح إلا بعد طلوع الشمس يوم العيد بقدر ما يسع الصلاة، فمن ذبح قبل ذلك لا يأخذ ثواب الأضحية وإنما يأخذ ثواب الصدقة، إن تصدق.
ومن أبرز أهداف الأضحية – كما يقول أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين بالأزهر، د. علي السبكي – التوسعة على الفقراء والمحتاجين في هذه الأيام المباركة، فالأضحية في عيد الأضحى تماثل زكاة الفطر في رمضان، والهدف من الاثنتين هو التوسعة على المسلمين، وخاصة المحتاجين منهم، فضلاً عن أنها تساعد على صلة الرحم، حيث يتم توزيع جزء منها على الأهل، وجزء على الأقارب والأصدقاء، وجزء على الفقراء.. فهي تقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم للفقراء والمحتاجين وكلما زاد نصيب هؤلاء منها اكتسب صاحبها المزيد من الأجر والثواب.. وقسم لأهل البيت، ولا ينبغي أن يزيد على الثلث، والثلث الباقي للأصدقاء والأقارب.
والوقت المفضل لذبح الأضحية هو يوم الأضحى بعد صلاة العيد، فإذا لم يتمكن المضحي من ذبح أضحيته في يوم عيد الأضحى، جاز له أن يذبحها في الأيام الثلاثة بعد يوم عيد الأضحى.. ولذلك أنبه – والكلام على لسان د. الجندي – على ضرورة أن يكون الذبح بعد صلاة العيد، كما أمرنا ربنا سبحانه في قوله الكريم: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وكما أرشدنا رسولنا (ص) في الحديث الصحيح: «من ذبح قبل الصلاة فإنّما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة والخطبتين فقد أتم نسكه – أي عبادته – وأصاب المسلمين».
وهنا يصحح أستاذ الشريعة الإسلامية اعتقاداً خاطئاً لدى البعض بأنّ الأضحية مطلوبة من الحاج وحده.. ويقول: هذا اعتقاد غير صحيح، فالأضحية مطلوبة من كلّ مسلم قادر عليها.. لأنّها تذكرنا دائماً بقصة الفداء لإسماعيل عليه السلام، عندما رأى سيدنا إبراهيم في المنام أنّه يذبح ولده، فلما همّ بتنفيذ رؤياه واستسلم كلّ منهما لقضاء الله جاء الفداء من السماء (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصافات/ 104-105).
- كيف نحتفل بالعيد؟
سأُل أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر، د. عبدالله النجار: كيف يحتفل المسلم بالعيد ويدخل السرور والبهجة على نفسه وأسرته دون مخالفات أو تجاوزات شرعية؟
قال: الإسلام دين بهجة وسعادة، ولا يحرم الإنسان أبداً من أمر فيه فائدة حقيقية له، وأعياد المسلمين كلها منافع وفوائد للجميع من أغنياء وفقراء، ولو فهم المسلم المقاصد الحقيقية من العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحى) واحتفل بهما وفق الضوابط الشرعية والالتزام بالقيم والأخلاقيات الإسلامية لأدخل السرور والبهجة على نفسه وكل المحيطين به دون تجاوزات أو مخالفات، والأعياد في الإسلام لها أهداف ومقاصد سامية، وحكم عالية، ومنافع كثيرة، فهي فرصة للترويح عن النفس الإنسانية خاصة أنّ العيدين يأتيان بعد أداء عبادتين، فعيد الفطر يأتي بعد أداء عبادة شاقة وهي الصوم، وعيد الأضحى يأتي مع أداء عبادة شاقة أيضاً وهي الحج.. والمسلم مطالب بالاحتفال بالعيد بكل ما هو مباح ومشروع، والمباحات من وسائل الترفيه والبهجة كثيرة.. لكن للأسف تضيق الدنيا بالبعض ولا يحلو لهم العبث والفوضى إلا في الأعياد، وهذا أمر مرفوض شرعاً ويجلب لصاحبه غضب الله وعقابه.
ويعيب د. النجار سلوك بعض المتدينين الذين يحرمون أنفسهم وأسرهم من البهجة في العيد تحت ستار الالتزام الديني: معظم هؤلاء – للأسف – لا يستمعون إلى النصائح والتوجيهات الإسلامية من العلماء.. فهم يستقون معلوماتهم وثقافتهم من دعاة متشددين أو من كتب قديمة تحرم على المسلم كلّ شيء، وجمود هؤلاء وتعسيرهم الحياة على أنفسهم وأزواجهم وأولادهم لن يقربهم من خالقهم، بل على العكس سيحاسبهم الله على تشددهم وعبوسهم وتنطعهم في الدين.
لابدّ أن يفهم هؤلاء أنّ الإسلام دين رحمة وسعة وبهجة وسرور، وهذا الدين العظيم الذي ننتمي إليه لا يمكن أن يفرض على الإنسان ما لا يطيق، ولا يفرض عليه حياة جافة كئيبة، فالتوازن في حياة المسلم مطلوب شرعاً، وكلّ مسلم مطالب بأن يؤدي واجباته الدينية والدنيوية ثمّ يخلد بعد ذلك للراحة ويجدد نشاطه بكل ما هو مباح ومقبول شرعاً، ورسول الله (ص) هو القائل في الحديث الصحيح «روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإنّ القلوب إذا كلّت عميت».
وينصح د. النجار جموع المسلمين بالحرص على الأضحية إذا ما كانوا قادرين عليها، وأن يقدموا النصيب الأوفر منها للفقراء والمحتاجين، وأن يتعاملوا معها على أنها عبادة لها أهداف إسلامية واجتماعية وإنسانية رائعة.. وأن يتخذوا من هذا العيد مناسبة أو فرصة لتجديد المحبة والمودة والتزاور والتلاقي بين الأقارب والأصدقاء.. ويقول: علينا أن نجعل من هذا العيد فرصة لتصفية خلافاتنا وزيارة مرضانا، ورسول الله (ص) يقول: «من عاد مريضاً، أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ بأن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً».
علينا أن نجعل من العيد فرصة لمساعدة المحتاجين، وتفريج كرب المكروبين وإدخال السرور على المحزونين، ورسولنا الكريم (ص) يقول: «من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق